مواصفات أساسية للنجاح الإداري المستقبلي


المدير المطلوب لتحقيق إنجازات حقيقية في قرننا الجديد هو ذلك المدير الكفؤ الذي يتحدى حالة الرضا عن النفس
والتصالح معها، ويبدي الاستعداد لقيادة معاونيه بطريقة صحيحة إلى الإنجازات. ومن صفاته أنه يعترف بالمشكلات،
ويغتنم الفرص، ويشكل مستقبله. وليس كونه متمردا على الأساليب التقليدية يعني أنه متهور، بل على العكس، فهو
يقف في كل محطة ليفكر في المكان ــ الهدف ــ الذي يقصده، ثم يبذل الجهد الذي يبلغه هذا الهدف. وتتعدد صفات ذلك
المدير الناجح، ولكنها تجتمع في كونها تمكن هذا المدير من قراءة المستقبل ليصنع نجاحه.


يشير أحدهم نحو رئيسه وهو يقول: »إن هذا المدير إنسان على مستوى عال من الكفاءة.. إنه أفضل مدير أعمل معه
في حياتي!«. كما قد يشير موظف آخر نحو رئيسه وهو يقول العكس تماما وينعته بسوء الإدارة والضعف ونقص
الكفاءة. نحن إذن بين نموذجين من المديرين، الأول متمرس وخبير وكفؤ، والآخر على النقيض من ذلك تماما.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن في هذا الصدد هو: ما هي مواصفات المدير الناجح وكيف يكتسب تلك المواصفات؟
والخطوة الأولى نحو اكتساب تلك المواصفات هي الفطرة السليمة والحكم على الأمور بصورة صائبة وحصيفة، أي
باختصار ما يطلق عليه التعقل. ولكن هذا التعقل ليس شائعا، ولهذا السبب بالتحديد نستعرض بعض الأفكار المتعلقة
وغير الشائعة حول موضوع الإدارة الفعالة والمدير الكفؤ!
ولعل التحدي الأول الذي يواجه المدير الجديد هو أنه لا يفكر حقيقة في الأمور الإدارية، لأنه وببساطة لا يدرك ما
هيتها. وباختصار فإن الأمور قد تسؤ ليس لأن المدير شخص غير حصيف، ولكن لأنه لم يفكر في تلك الأمور. ومن
أهم أسس الإدارة التوقف بين الفينة والأخرى لطرح الأسئة الصحيحة، حتى يتسنى للتعقل والحصافة أن تقدم الحلول
والاجابات الصحيحة.
وعندما يتبوأ المدير منصبه، فإنه يختار أسهل الخيارات، وهو أول الخيارات دائما، أي يفعل ما يتوقع منه. فهو جديد
وحديث عهد بالإدارة، لذا فإن الجميع سيتفهمون. ويمكنه أن يتعلم من خلال الأخطاء التي يرتكبها، وقد يستثمر أكبر
قدر من الوقت في إنجاز بقية أعماله، تلك الأعمال التي يجيد أدائها وما تلك الأمور ــ الإدارية ــ الإضافية إلا مدركات
ذهنية، يجب التعامل معها كيفما تستجد وحينما تنشأ.
وعندما يصبح المدير مديرا فإنه يفرض رقابة على مسؤولياته هو، أو جزء منها إن لم يكن كلها. وبإمكانه أن يغير من
الأشياء، أو ينجز الأعمال بطريقة مختلفة. وللمدير سلطة مطلقة في التأثير على نمط أداء الموظفين، ويمكنه أن يشكل
أسلوب العمل الخاص به والذي يميز إدارته عن الإدارات الأخرى.
وعندما يتقلد المدير منصبه لأول مرة فإن الجميع سينظرون إليه بتوجس وريبة. والبداية دائما صعبة، وقد لا ينظر
المدير لنفسه وكأنه المنقز أو مفجر الثورة، إلا أن الموظفين يرسمون هذه الصورة في أذهانهم ويقاومون أية محاولة
للتغيير. وهنا يتعين على المدير أن يقنع معاونيه بأن التغيير الذي يسعى آليه إنما هو في مصلحتهم وسوف لن يضرهم.
وقد يقتنع الجميع بذلك ويظهرون قدرا عاليا من التعاون.
وهناك ثلاثة أنماط من المديرين، يتميز كل منهم بمواصفات خاصة تحددها ذهنية إدارية مختلفة. وهذه الأنماط هي
كالتالي:
ــ المدير المخطط، أي ذلك الذي يضع أو يشكل رؤية مستقبلية على المدى البعيد، وكلما صعد درجات السلم الوظيفي
كانت نظرته بعيدة. وفي الوقت الذي يركز فيه بقية الموظفين على إنجاز مهام محددة وفي إطار زمني محدد، يتعين
على المدير أن ينظر إلى الأمام حتى يتسنى له تحديد الأهداف والتأكد من سلامة اختيار الأهداف.
ومن خلال التفكير في مخرجات ونتائج مختلف الخطط، يستطيع المدير اختيار الخطة التي تنسجم مع مهارات
وقدرات الموظفين ويعكف على تنفيذها، وعندما لا يفكر المدير في متطلبات واحتياجات المشروع التالي فقط، بل وفي
متطلبات المشروع الذي يليه، فإنه يطمئن إلى عدم تكرار العمل، إضافة إلى التأكد من توفير كل الموارد المطلوبة.
ــ المدير المؤثر، أي ذلك الذي تتاح له فرصة الاطلاع على المعلومات والبيانات التي يكون أعضاء مجموعة العمل
بحاجة إليها. ويتميز هذا النمط بنفوذ وسلطات تمكنه من الحصول على أشياء لا يستطيع أعضاء المجموعة الحصولة
عليها. وهذا النمط من المديرين ضروري للغاية لأنه ما من أحد آخر يمكن أن يحصل على ما يحصلون عليه، وهناك
ما يميزه عن الآخرين. ويتعين على هذا النمط توظيف السلطة والنفوذ في مساعدة أعضاء المجموعة على إنجاز
أعمالهم.
ــ المدير الدرع الواقي الذي يحمي الموظفين من أهواء وتقلبات المديرين غير الأكفاء، ففي أية مؤسسة تحدث بعض
الأمور التي تجعل الموظفين ينحرفون عن الموضوعات الرئيسة. ولهذا لابد للمدير من أن يتصدى لهذه الممارسات
حماية لأعضاء المجموعة. وإن تم تكليف المجموعة بإنجاز مشروع جديد، يتعين على المدير أن يقوم بإجراء تحليل
للإطار الزمني لإنجاز المشروع ليتأكد من إمكانية إنجازه في الفترة المحددة. وإن تقدم أحد أعضاء المجموعة بخطة
جيدة، يجب على المدير أن يتقبلها بصدر رحب، ويطمئن إلى أن أعضاء المجموعة يتفهمون نتائج تلك الخطة. كما
يتعين عليه أن يعمل على حل المشكلات التي تواجه أيا من أعضاء المجموعة.
وتلك أنماط تكاد تكون رسمية، فإن كنت من المديرين الذين يفضلون التعامل بالرسميات فهي ستكون كافية. أما إن
كنت من المتمردين على كل ما هو رسمي، فيمكن أن تجد البديل. وهنا يتعين على المدير أن يتمتع بالقدرات
والمهارات التالية، والتي تشكل المواصفات التي تميزها عن الآخرين:
ــ القدرة على التصور وتشكل الرؤية السلمية، ولعل هذه الصفة تميز المدير الناجح، فمن بين كل مفاهيم الإدارة
العصرية، تناولت مجموعة هائلة من الدراسات والكتابات مفهوم الرؤية. وبطبيعة الحال فقد تناولها الكتاب والباحثون
من زوايا مختلفة ومن منطلقات متباينة، وإحدى أهم تعريفات الرؤية هو القدرة على استقراء المستقبل، كأن تقول:
»
لقد كانت رؤيته سليمة عندما توقع انهيار السوق«. وهذا التعريف لا يفيد المدير في شيء مادام أن الحقائق الملموسة
لا تعرف إلا من خلال طبيعتها، ومادمنا نتحدث عن مستقبل المدير.
والتعريف الذي نفضله هو أن الرؤية فكرة واضحة عما يجب أن يكون عليه المستقبل، وهذا تعريف لا علاقة له
بالتوقعات أو الاستقراءات، ولكنه ذو صلة وثيقة بالأمل والحلم. إنه النقطة التي يلتقي عندها أعضاء المجموعة، إنه
بؤرة نشاطهم التي توفر لهم الباعث بعيد المدى الذي يوحد جهودهم وأفكارهم. ويجب أن تكون الرؤية مثيرة حتى يلتئم
حولها أعضاء المجموعة وتكون القاسم المشترك الذي يجمعهم. ويترتب على هذا أمران، هما:
ــ اتخاذ قرار حول قيادة المجموعة.
ــ إشاعة الرؤية وسط أعضاء المجموعة.
وإشاعة الرؤية أو نقلها إلى الموظفين لا تعني تزيين جدران المكتب بالأرقام والرسومات البيانية، ولكنها تعني إتاحة
الفرصة للأعضاء لكي يستوعبوا الرؤية ويتخيلونها ويتقاسمونها مع المدير. ولكي تكون الرؤية جديرة بالاحترام يجب
أن تكون هاديا ومرشدا للقرارات والإجراءات التي يقوم بها أعضاء المجموعة.
والرؤية مفهوم متشابك يصعب تحديده بصورة قاطعة، وقد تكون غير عملية. ولهذا فهي بحاجة إلى خطوة أخرى
تساعد في نقلها ونشرها وسط أعضاء المجموعة. وعندما يتم تشكيل الرؤية يتم التعبير عنها بهدف واضح ومحدد، أية
مهمة. والرؤية والمهمة مفهومان متلازمان. والمهمة عادة صعبة ولكن يمكن تحقيقها من خلال بذل ما يكفي من جهد،
وتتطلب المهمة تحديد إطار زمني محدد لإنجازها.
ويعتمد مدى الرؤية على وضعية المدير داخل الهيكل الوظيفي، وكذلك الإطار الزمني لإنجاز المهمة. فرؤوساء
مجالس إدارة المؤسسات متعددة الجنسيات يجب أن يتميزوا بنظرة مستقبلية تتجاوز في مداها نظرة مدير
المشروعات.وقد يضعون خططا استراتيجية على مدى ربع قرن من الزمان، أما هو فلا يفكر إلا في إنجاز المشروع
الحالي. وهكذا فإن المدير الجديد يكون بحاجة إلى مهمة يمكن إنجازها خلال سنة أو سنتين.
وإن تركزت أفكار المدير حول إنجاز مهمة، فالأفضل له أن يفكر في الجودة أيضا مادام يمكنه أن يبني عليه إنجازاته،
وبالمثل يمكن إدراج أي من عناصر الإدارة الفعالة ضمن إطار المهمة. فعلى سبيل المثال إن كانت المجموعة تعمل
في مجال تصميم المنتجات، فقد تكون مهمة المدير هي أتمتة إجراءات اختيارات المنتج بدءا من المنتج التالي، أو
بشكل عام قد تكون مهمة مجموعة العمل خفض الوقت الذي تستنزفه الاجتماعات إلى النصف خلال فترة ستة أشهر.
إذن فالمهمة هي عمل معين يتعين إنجازه في إطار زمني محدد.
وبعد استكمال عملية تحديد المهام، يتم الانتقال إلى مرحلة تشكيل أو نشر الرؤية، وهنا تتم صياغة أو تحديد النتائج
المرجوة. وليست هناك أية ضرورة للإعلان عن الرؤية أو وضعها على لوحة الإعلانات. ولقد عفى الزمن عن هذه
الممارسات البالية. وإن لم يتمكن المدير من نشر الرؤية من خلال أقواله وأفعاله، فهذا يعني أنه لا ينفذها شخصيا.
والرؤية هي القوة الدافعة وعندما يتم تشكيلها يجب العمل على ضوئها واتخاذ أية قرارات استرشادا بها.
ــ التبصر والبصيرة، أي المعرفة المسبقة بأحداث المستقبل، ويتوقع من المدير كدرع واق أن يعرف مسبقا الأحداث
الخارجية التي يمكن أن تؤثر على مجموعة العمل. ومفتاح هذه المعرفة هو المعلومات التي تنقسم إلى ثلاثة أنواع:
ــ معلومات مسموعة.
ــ معلومات تم جمعها.
ــ معلومات تم استنتاجها.
والمعلومات عنصر حاسم، حيث كشفت الدراسات حول عمليات صنع القرار في المؤسسات التجارية أن القرارات
الحاسمة والسريعة ليست نتيجة للحدث أو كفاءة القيادة، وإنما نتيجة وجود نظام معلومات متكامل. والمدير الذي يلم
بالمعلومات هو الذي يستطيع اتخاذ القرارات الفعالة.
وجمع المعلومات لا يكفي في حد ذاته، إذ لابد من تحليلها والتعرف على محتوياتها. وقد تكون عملية توقع واستقراء
الخطوات المنطقية المقبلة من خلال تحليل المعلومات خطيرة للغاية. ولهذا لابد من التبصر في توقع ما سيحدث خطوة
خطوة.
وأحد الأساليب الذكية لجمع المعلومات هو أسلوب »ماذا لو؟« وهناك طرق عملية متعددة للاستفادة من هذا الأسلوب
في تحليل المعلومات، إلا أن المدير قد لا يجد ما يكفي من وقت لاختبارها. وأفضل وقت لطرح هذا السؤال هو وقت
الراحة، حيث يجتمع المدير والموظفون حول طاولة الغداء. وهنا يمكن أن يطرح المدير أو أي من أعضاء مجموعة
العمل سؤالا يبدأ بــ»ماذا لو...؟«، ثم يفكر الجميع في الإجابات الصحيحة.
ــ القيادة، وهنا نصطدم بمجموعة متباينة من التعريفات، فكل القادة التاريخيين الذين نعرفهم نحوا منحى مختلفا حول
مفهوم القيادة. وهناك، على سبيل المثال، ميكافيللي الذي لم يروج لفكرة أن يكون القائد حاميا ومدافعا عن معاونيه،
ولكنه روج لضرورة أن يكون الأمير سعيدا بسمعته وشهرته كشخص قاسي القلب حتى يضمن ولاء رعيته. وموقف
المدير اليوم يختلف عن موقف أمير ميكافيللي، فهو لا يملك سلطة إعدام الموظفين أو نفيهم ولا يمكن أن يسيطر عليهم
من خلال الترهيب أو الترغيب، ولهذا لابد له من أن يجرب وسيلة أخرى.
وأحد الأخطاء الشائعة عن المدير هي أنه شخص متغطرس كثير الصياح يتميز بصفات معينة تشد الآخرين إليه. وهذا
غير صحيح. وإن نظرت في أية مؤسسة فسوف تجد أناسا بسطاء ومتواضعين يقومون بإدارة الموظفين بنجاح تام.
وإن كان المدير هادئا ومتواضعا، فكل ما هو بحاجة إلى أن يفعله لا يتعدى التحدث بوضوح إلى الأشخاص المعنيين
(
أعضاء إدارته أو مجموعة العمل) وسوف ينصتون إليه!