ضمير ميت !
قبل كتابتي لهذه المقالة، أمسكت بأحد الكتب الإدارية ورحت أراجعه وأذكر نفسي ببعض الأفكار والمعلومات التي وردت في هذا الكتاب، مؤلف الكتاب أجنبي من بلاد الأمريكان والكتاب اسمه "الإدارة بضمير"، حقيقة استغرب من اهتمام الغربيين في مسائل الأخلاق أو الاهتمام بالضمير، لأننا نعرف أن الغربي يهتم بمصلحته وأرباحه، والمسائل الأخلاقية عادة ما تأتي متأخرة أو تلغى من قائمة اهتماماتهم. لكن هذا الكتاب يحوي نصائح مهمة وقيمة في مجال أخلاقيات الإدارة، هذا المجال الذي نكاد أن نغيبه من حياتنا العملية في العمل، ولا تستغربوا من قولي هذا، فكل ما نراه من سلبيات الإدارات والمؤسسات الحكومية أو حتى الخاصة سببه أمرين، الأول غياب الضمير والأخلاق من العملية الإدارية والثاني عدم تطوير الأداء الإداري، والسببين متلازمين، فغياب الأخلاق من العملية الإدارية يستلزم عدم تطور الأداء في أي مؤسسة، لأن العاملين يحسون بتناقض في معاملتهم ويحسون كذلك بعدم وجود مساواة في الحقوق والواجبات. ومن مظاهر تدني الأخلاق الإدارية الواسطة، فالواسطة هي تغليب المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، كأن يوظف المدير شخص ليس بكفء لمنصب هام بسبب قرابته للمدير أو بسبب توسط شخص عزيز على المدير، والواسطة أيضاً تكون في تسهيل معاملة على حساب معاملات الآخرين، أو الحصول على خدمة قد لا يستحقها الشخص الحاصل عليها، هذه هي الواسطة وهذه بعض أشكالها، وهي متعددة الأشكال متغيرة الألوان لا تعرف لها وضعاً ثابتاُ كالحرباء تماماً. ومن مظاهر تفشي الفساد الإداري استمرار الروتين ووأد أي محاولة للتطوير والتغيير، لأن التطوير أو التغيير قد يفسد أوضاعاً يستفيد منها أشخاصاً لهم نفوذهم في المؤسسات، ومن مصلحتهم بقاء الحال على ما هو عليه، ليستفيدوا بغير حق من التسهيلات التي توفرها لهم المؤسسة، ومثال هذا على أرض الواقع، توفير سيارة لكل مدير ورئيس قسم في إحدى المؤسسات الحكومية، والمفروض أن توفر السيارة لبعض الموظفين الذين يقومون ببعض المهمات خارج المؤسسة فيستحقون سيارة خاصة لإتمام مهماتهم، لكن ما حاجة المدير ورئيس القسم للسيارة؟! هل لتفقد حسن سير الأعمال؟! ومن مظاهرها أيضاً انعدام الرضى بين الموظفين وتدني نسبة الإنتاجية مما يؤثر بشكل مباشر على اقتصاد البلد، ولطالما سمعنا عن الإنتاجية في دول مثل اليابان إذ تعد إنتاجيتهم بالساعات يومياً، بينما إنتاجية العامل والموظف في بلداننا العربية لا تتعدى الساعة تزيد قليلاً أو تنقص، وتدني الأداء الإنتاجي أسبابه كثيرة لكنها تكاد تتركز على السببين المذكورين آنفاً، غياب الأخلاق وعدم تطوير الأداء الإداري. وللفساد أشكال أخرى كوجود صراع بين أصحاب المناصب ولا أعني بالصراع وجود معركة بالأيدي والأسلحة الفتاكة! بل أعني وجود صراع يجبر أطرافه على استخدام كافة الوسائل الأخلاقية والغير أخلاقية لتحطيم الطرف الآخر أو تغييبه وتحييده، وينتهي الصراع عادة بتنازل أحد الأطراف وتقديم استقالته، أو ينسحب من المواجهة ويرضى أن يؤدي ما عليه من مسؤوليات دون التدخل في أي شيء قد يمس مصلحة المؤسسة العامة. هذه مظاهر الفساد، ونحن لم نعددها كلها بل هذه بعض مظاهره، طبعاً للفساد أسبابه التي تؤدي لوجوده، وهناك حلول تساعد على إزالته أو حتى تقليله ولكن الحديث عن هذا يطول بسبب انتشار الفساد بطريقة غير عادية بين المؤسسات، حديثنا القادم حول أسباب هذا الفساد.