اصدر
الجهاز المركزي المصري للتعبئة والإحصاء احدث كتاب له عن معدلات
وأسباب الوفاة بين المصريين لعام 1998. ففي هذا العام بلغ عدد
الوفيات في مصر 399772 حالة وكانت أمراض القلب والشرايين السبب
الرئيسي للوفاة في 189309 حالة منها أي إن 47 في المائة من حالات
الوفاة في مصر ترجع إلى أمراض القلب والشرايين.
بمقارنة هذه المعدلات بالإحصائيات الصادرة في أعوام 1989 كانت
أمراض القلب والشرايين سبب الوفاة في 42.6 في المائة بينما في عام
1970 كانت السب في 12.4 في المائة من الوفيات.
فقد تراجعت الأمراض المعدية والطفيليات كأسباب هامة للوفاة بين
المصريين أصبحت أمراض القلب تتصدر القائمة وفيما يبدو فهي في تزايد
مستمر حيث وصلت إلى معدلات وبائية وأصبحت مسئولة عن حوالي نصف
الوفيات بين المصريين.
وعلي جانب مساو من الخطورة لوحظ في السنوات الأخيرة زيادة معدلات
الإصابة بأمراض الشرايين التاجية بين الشباب وفي الأعمار المتوسطة
مما يؤدي إلى العجز والوفاة المبكرة بالإضافة إلى فقدان السنوات
المنتجة وزيادة نفقات العلاج والرعاية الطبية. كل هذا يخلق مشكلة
صحية واجتماعية واقتصادية مترامية الأبعاد.
وقد حذرت منظمة الصحة العالمية في تقريرين منفصلين بأن أمراض
القلب والشرايين قد برزت كمشكلة صحية رئيسية في دول العالم الثالث.
وتشير الإحصائيات العالمية بأنه في عام 1990 بلغ عدد الوفيات من
أمراض القلب في العالم حوالي 14 مليون وفاة وان ما يقرب من ثلث هذه
الوفيات كن في دول العالم الثالث. وطبقا لتوقعات البنك الدولي
ومنظمة الصحة العالمية فانه من المنتظر بحلول عام 2020 إن تصبح
أمراض القلب والشرايين السبب الرئيسي للإعاقة وللوفاة في العالم
كله فقيرة وغنية, شماله وجنوبه. كذلك تشير الإحصائيات العالمية
انه بينما تتراجع الوفيات الناتجة عن أمراض القلب في الدول الغنية
الصناعية خلال السنوات 1985, 1997 من 51 إلى 46 في المائة فإنها قد
تزايدت خلال هذه الفترة بين دول العالم الثالث من 16 إلى 29 في
المائة. وفي مصر تضاعفت معدلات الإصابة بأمراض الشرايين التاجية
عدة مرات خلال العقدين الماضيين وتدل إحصائيات قسم القلب جامعة
القاهرة علي إن نسبة مرض الشسريان التاجي المحولين للعلاج بالقسم
قد تزايدت من 6.9 في المائة الي 32.9 في المائة خلال الفترة
1984-1986 والفترة 1996-1998 .
لمعرفة أسباب هذه الظاهرة الخطيرة يجب مراجعة ما نعرفه عن عوامل
الخطر المؤدية إلى تصلب الشرايين و أمراض القلب وعن معدلات
انتشارها. وأهم هذه العوامل ارتفاع ضغط الدم وألسمنه الزائدة
وزيادة دهون الدم ومرض البول السكري وتدخين السجائر.
تدل الدراسات الميدانية التي أجريت في مصر علي المستوي القومي
لمعرفة مدي انتشار مرض ارتفاع ضغط الدم وأسباب أمراض القلب بين
المصريين خلال المشروع القومي المصري لارتفاع ضغط الدم بأن نسبة
الإصابة بهذا المرض هي 26.3 في المائة وهي تعد من المعدلات العالية
علي مستوي العالم وتزيد عن الولايات المتحدة وكندا ومعظم الدول
الأوروبية والأسيوية
كذلك تنتشر السمنة الزائدة بين المصريين خاصة السيدات وتعد اعلي
نسبة علي المستوي القومي في العالم حيث تصل إلى 35.6 في المائة بين
السيدات المصريات ( انظر إحصائيات المشروع القومي المصري لارتفاع
ضغط الدم).
ويمثل تدخين السجاير أحد الأسباب الرئيسية للإصابة بأمراض
الشرايين التاجية وتتراوح نسبة المدخنين بين الذكور المصريين من
35.3 إلى 46.2 في المائة
وتصل نسبة الإصابة بمرض البول السكري عند مرضي ارتفاع ضغط الدم
المصريين الي 20.3 في المائة بين السيدات و 15.3 في المائة بين
الرجال.
ومما لاشك فيه ان هناك عددا من الأسباب الوثيقة الصلة بزيادة معدل
انتشار عوامل الخطر المؤدية إلى الإصابة بأمراض القلب في دول
العالم الثالث ومن بينها مصر. عن الملاحظ ان متوسط الأعمال في
تزايد مستمر في مختلف بلاد العالم وقد زاد متوسط العمر في المصريين
بين عامي 1960 و 1990 من 51.6 سنة إلى 62.8سنة في الذكور ومن 53.8
سنة إلى 66.4 سنة في الإناث ويعد التقدم في السن أحد عوامل الخطر
الرئيسية المؤدية إلى تصلب الشرايين لما يصحبه في زيادة معدلات
الإصابة بأمراض ضغط الدم والسكر بالإضافة إلى التغيرات المرضية في
الشرايين والتي تصحب تقدم السن.
يلعب الانتقال من القرية إلى المدينة أو من الريف إلى الحضر دورا
هاما في زيادة معدلات الإصابة بتصلب الشرايين لما يصحبه من تغيرات
هامة في أسلوب الحياة حيث تزداد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية
والنفسية نتيجة للازدحام والبطالة والعزلة الاجتماعية مما يؤدي إلى
زيادة معدلات القلق واكتئاب والميول العدوانية بالإضافة إلى زيادة
معدلات التلوث البيئي واكتساب العادات الصحية السيئة في المدينة
كعدم الحركة وتناول الغذاء غير الصحي الغني بالدهون والملح
والإسراف في التدخين مع زيادة نسبة الإصابة بارتفاع ضغط الدم وتوضح
بيانات المشروع القومي المصري لارتفاع ضغط الدم بأن نسبة الإصابة
بجميع عوامل الخطر المؤدية إلى تصلب الشرايين اكثر منها في الحضر
عنها في الريف. مرض البول السكري وزيادة دهون الدم وألسمنه وارتفاع
ضغط الدم والتدخين تنتشر في المدينة اكثر من القرية
وتشكل الهجرة الداخلية من الريف إلى الحضر مشكلة متزايدة في كثير
من بلدان العالم الثالث ففي الهند علي سبيل المثال زادت نسبة ساكني
المدن من 11 في المائة إلى 26.1 في المائة خلال الأعوام 1901 و
1991 ومن المتوقع انه بحلول عام 2025 ان يعيش 65 في المائة من
السكان في الدول النامية في المناطق الحضرية وتشارك مصر كثير من
دول العالم الثالث في تزايد عوامل الخطر المؤدية للإصابة بأمراض
القلب التاجية فنسبة الإصابة بارتفاع ضغط الدم تتراوح بين 19 في
المائة في الصين و 20 في المائة في تايلاند و 27 في المائة في
شيلي.
ويمثل تدخين السجاير وهو سبب رئيسي لضيق الشرايين التاجية
ومضاعفاتها والوفاة الفجائية واحدة من اكثر عوامل الخطر انتشارا
بين دول العالم الثالث حيث تصل نسبة التدخين في الذكور في تايلاند
إلى 69 في المائة وفي كوبا 58 في المائة وإندونيسيا 52 في المائة.
مما سبق يتبين ان الكثير من العوامل المؤدية إلى الإصابة بأمراض
القلب ترجع إلى الأسلوب المعيشي الخاطئ والجهل وعدم اتباع العادات
الصحية السليمة الخاصة بالغذاء و الحركة وإهمال العلاج المبكر
لارتفاع ضغط الدم والسكر وزيادة دهون الدم
ولحسن الحظ فان هذا الوباء من بمراض القلب القادم لدول العالم
الثالث يمكن منعه والحد من انتشاره بالعلاج الفعال والتصدي لعوامل
الحظر السابق ذكرها.
وتدل الدراسات الإحصائية في ان معدل انتشار أمراض القلب التاجية
مستمر بين كثير من دول العالم الغربي الصناعية يتراوح معدل انخفاض
من الوفيات الناتجة من إصابة الشرايين التاجية بين 3 الي 7 في
المائة كل عام خلال السنوات 1985 إلى 1992 في 21 دولة صناعية فيما
يزيد عن انخفاض قدرة 25 في المائة خلال سبع سنوات فقط وتشير
الأبحاث الحديثة إلى أن حوالي ستون في المائة في انخفاض وفيات
القلب والشرايين يرجع إلى إصلاح ومنع عوامل الخطر المختلفة فقد
تبين علي سبيل المثال ان الامتناع عن التدخين فقط يعد مسئولا عن
انخفاض وفيات القلب بنسبة ثلاثون في المائة
ولابد أن تكون هذه البيانات المشجعة حافزا هاما للمسئولين عن
الشئون الصحية والجمعيات العلمية في بلادنا وبقية الدول النامية
لتبدأ بوضع حملة قومية بهدف منع ومقاومة عوامل الخطر المختلفة
المؤدية إلى الأصالة بأمراض القلب.
ومن مهام الجمعيات الطبية العلمية العمل علي زيادة الوعي الصحي
بين المواطنين ونشر المعلومات الصحية وان يكون المخططون الصحيين
والجمهور علي دراية كافية وبأن كثيرا من أسباب الإصابة بأمراض
القلب والأزمات القلبية والوفاة الفجائية يمكن منعها.
ويجب ان ترسل الحكومات بوضوح ان ما ينفق علي الرعاية الطبية وعلاج
أمراض القلب من أموال طائلة وما يتطلبه من فحوص وأدوية مكلفة
وإقامة بالمستشفيات بالإضافة إلى العجز وفقدان المقدرة علي العمل
بسبب تدخين السجاير يفوق ما تحصل عليه الحكومات في دول العالم
الثالث من رسوم وضرائب وجمارك علي السجاير. لذلك يجب وضع
التشريعات اللازمة للحد من تدخين السجاير مثل منع التدخين نهائيا
في الأماكن المعلقة خاصة المصالح الحكومية ووسائل المواصلات
والبنوك والمستشفيات والمحلات التجارية ومنع بيع السجاير لمن تقل
سنه عن 21 سنة. ووضع خطة جادة ضد التدخين تقوم بها الصحافة ووسائل
الإعلام المختلفة وان يكون شعارها مجتمعا خاليا من السجاير لصحة
السنوات القادمة.
ويمثل مرض ارتفاع ضغط الدم سببا هاما للإصابة بأمراض القلب يمكن
علاجه لذلك بعد تشخيص وعلاج ارتفاع ضغط الدم في مراحله المبكرة أحد
طرق الوقاية الهامة للحد من وباء أمراض القلب. ووجود حملة قومية
لتوعية الجمهور بطبيعة مرض ضغط الدم الصامتة وضرورة قياس الضغط
بصفة دورية لتشخيص المرض وعلاجه بطريقة بعالة بعيدا عن خرافات
الكركديه والثوم والأعشاب ويجب علي الحكومات دعم أدوية علاج الضغط
وان تشترك الجمعيات العلمية في عمل برامج تدريبية للأطباء وتعليمهم
طرق القياس الصحيحة.
ومن عوامل الخطر الأخرى التي يجب التحذير منها السمنة الزائدة وهي
للأسف مرض يصعب علاجه والطريقة الوحيدة لمنعها هي مبادرتها في سنين
الطفولة ومنعها في السن الصغيرة والتنبيه بأن زيادة الوزن عامل مهم
للإصابة بأمراض القلب والسكر وارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين
والوفاة المبكرة. ويجب توعية الجمهور بالعادات الغذائية السليمة
وتجنب الإفراط في الدهون واللحوم الحيوانية ومنتجات الألبان
والأطعمة الغنية بالسعرات الزائدة او بملح الطعام. وتمثل الرياضة
البدنية المنظمة حتى في أبسط صورها مثل المشي اليومي السريع لمدة
نصف ساعة أحد الطرف المثلي لمنع الاصابه بأمراض القلب التاجية.
ومن الشعارات الهامة والتي هي حقيقة علمية سليمة كل أقل - تحرك
أكثر - تعيش أطول.
وفي الختام لابد من ألاشاره إلى الدور الهام الذي يمكن ان تلعبه
الجامعات ومراكز البحث العلمي للحد من انتشار وباء أمراض القلب
والشرايين. فنحن في حاجه ماسة للأبحاث الإحصائية الوبائية
والنفسية لدراسة العوامل المؤدية الي انتشار أسباب أمراض القلب في
المجتمع واختيار أنسب الطرق لمنعها. ونحن زيد التجارب العلمية
الجادة لدراسة ومتابعة مؤشرات عوامل الخطر المؤدية لأمراض القلب
بين المصريين ويجب تشجيع مساهمة الهيئات الدولية العلمية ومراكز
البحث العالمية ذات الخبرة في هذا المجال بإجراء بحوث مشتركة
للاستفادة من التجارب السابقة الناجحة. وباتباع الأسلوب العلمي
يمكن خفض معدلات الإصابة بأمراض القلب والشرايين التاجية وان نتيح
لمواطني العالم الثالث حياة طويلة منتجة - حقا إن الأعمار بيد الله
ولكن الله يأمرنا باتباع الأسباب. |